الأربعاء، 10 أبريل 2013

تحميل رواية يامريم لسنان أنطون

رواية يامريم pdf لسنان أنطون



سنان أنطون «يصلّي» للعراق

درب الجلجلة يبدأ من الاحتلال ويمرّ بالطائفية ليصل إلى التشرد المستمر. رواية «يا مريم» المرشّحة لـ«جائزة بوكر» العربية أشبه بفيلم تسجيلي يوثّق بحيادية أوجاع بلاد الرافدين ومآسيه
محمد الخضيري
«يا قديسة مريم، صلّي لأجلنا، يا والدة الله، يا أماً مصلوبة، يا أما ثكلى، يا أماً مطعونة بالحربة، يا أماً مصلوب قلبها، يا أماً مغمومة، يا ينبوع البكاء، يا جبل الحزن، يا صخرة الثبات، يا مرسى الاتكال، يا ملجأ المتروكين، يا ترس المظلومين». هكذا، تصير الصلاة في رواية «يا مريم» (دار الجمل) للكاتب والمترجم العراقي سنان أنطون (1967)، تتحوّل إلى بوصلة لحيارى العراق المتروكين لمصير من الحقد الأعمى، والأمل الذي تستشعره أفئدتهم في الصلاة كردّ وحيد على كراهية القَتَلة. العمل المرشّح لـ«جائزة بوكر» العربية، يستعيد حوادث تفجير طاولت كنائس العراق في عام 2010، وتحديداً تفجير كنيسة «سيدة النجاة» في وسط بغداد، بينما تتحول مريم إلى معادل لعراق يوحّد المسيحيين والمسلمين. ينتمي بطلا الرواية يوسف ومها إلى جيلين مختلفين. هنا يحكي صاحب «إعجام» عن يوم من حياتهما، وكيف ينتهي بقداس جنائزي في ذكرى وفاة شقيقة يوسف. لكنه يوم متوتر يتشاجر فيه البطلان. مها ترى أنّ العنف موجه أساساً ضد أبناء الديانة المسيحية، بينما يرى يوسف أنه موجه ضد الجميع.
يستمد المتخيل الروائي من الواقع الذي يتمثّل في تفجير الكنائس، لكنه ينحت شخصيات الرواية بطريقة أقرب إلى الحقيقة. يوسف ومها مثالان على الآلام الفردية التي يحملها كل منهما، فدرب الجلجلة يبدأ من الاحتلال ويمرّ بالطائفية ليصل إلى التشرد المستمر.
من جانب آخر، تبدو شخصيتا يوسف ومها مختلفتين، فالبطل في عمر متقدم خبر الحياة، وعايش أزهى تواريخ البلد، وشهد على زمن لم يستبح فيه الدم بالقدر الذي نعيشه الآن. أما البطلة فشابة، لم يصلها من الحياة سوى الحصار والقتل والقصف المستمر، وهي تقيم في بيت عجوز بعدما فقدت جنينها وزوجها. لكنها إقامة مؤقتة وعابرة، فهي تنتظر مع يوسف تأشيرة للرحيل من البلد. لكن يوسف يصرّ على إنهاء أيامه على أرض النخيل التي عشقها، ويؤمن أيضاً بأنّ غداً أفضل آتٍ على البلد. هكذا، يفرد الكاتب الحيّز الأكبر من روايته ليوسف، فيما تتمكن أحداث الرواية من الخروج من الفضاء (بغداد 2010) والزمان (يوم القداس)، لتقفز برشاقة بين الأزمنة والأمكنة على طريقة الفلاش باك. يعود يوسف إلى ماضيه وينبش فيه. نكون أمام ألبوم صور يقدم أفراد العائلة الآخرين، فيتحسر على من رحلوا إلى أماكن أخرى، وتوزعوا عبر العالم، ولم يعد يربطهم به إلا اتصالات هاتفية ورسائل إلكترونية. لغة سنان أنطون محايدة. لكنها تتلمس الآلام بشفافية من دون أن تنكأها. يصير التحلل والانحدار نحو العنف الذي يعيشه البلد أشبه بفيلم تسجيلي. حياد ذكي يقدم به هذه الفوضى والتمزق الذي يعيشه كثيرون في البلد. لكنها لغة شعرية في الكثير من الأحيان، تصير كما الهمس وهي تستدعي مريم العذراء. أم المسيح والنبي عيسى التي تمثل الأم التي ترعى ابنها وتحفظه من كل شرّ إلى أن يصير رجلاً يغيّر التاريخ.
مريم في العمل الروائي هي من هزت جذع النخلة، فأسقطت عليها رطباً جنياً، وهي مريم المسلمة، والشفيعة أم المسيح. إنّها القاسم المشترك الذي يحاول كثيرون الهروب منه ونكرانه كأنه لم يكن. هي الآن والأمس حين كان يوسف ورفاقه المسلمون يعيشون تحت سماء بغداد من دون عماء الطائفية، حيث «كل الصلوات ستصل إلى الله في نهاية الأمر، مهما كانت اللغة أو المذهب» كما يأتي في الرواية.
الروائي والمترجم الذي صدرت له أعمال روائية وشعرية عدة، يكشف في «يا مريم» عن حرفية عالية تتجلى في لغة سلسة وصارمة تحقق شاعريتها الخاصة من دون ادعاءات مبالغة، أو مجازات مجانية، أو استعارات ركيكة، ثم إنها تتخلص من كل ميثولوجيات اللغة التي يعاني منها كتاب كثيرون، فيما يتميز البناء الروائي بإدخال القارئ بسرعة إلى عوالم شخصياته وحداثة العراق بتحولاته الاجتماعية والسياسية. ولعلّ هذا ما خولها لتكون أبرز الأعمال الواردة ضمن القائمة القصيرة المرشحة لنيل «جائزة بوكر» العربية هذا العام.
بعد كل هذا، يتساءل القارئ عن كاتب الرواية وأين يجده بين شخصياتها. هل يعيش بالقرب من يوسف الذي أدرك جيداً أن قوانين التاريخ أكبر من هذا الصراع؟ أم إلى جانب مها التي تقرر الرحيل؟ لا تحسم الرواية شيئاً، لكنها تختزل المعاناة بشهادة أمام كاميرا تلفزة تتحدث فيها شابة عن مأساة. وهذه هي قوة النص: في توثيقه لـ«شهادات» فردية على أرض العراق.
مقطع من الرّواية
صورة فوتوغرافية
سنان أنطون


لا أحد يعرف تاريخ الصورة بالضبط، لكن يوسف يتذكر بأنها التقطت ذات جمعة قبل أشهر قليلة من حركة رشيد عالي الكيلاني عام ١٩٤١، أي أنه كان في الثامنة من عمره. والتقطت في بيت العائلة القديم في عقد النصارى الذي كانوا يتقاسمونه مع عائلة عمه يوحنا. مر المصور الأرمني على الشارع بيتاً بيتاً يحاول إغراء العوائل بأن تلتقط صورة جماعية. تردد أبو يوسف في البداية لكن الجميع ألحّوا، خصوصاً أن أخاه يوحنا وافق وبدأ ينادي زوجته وأولاده كي يجتمعوا ويستعدوا للصورة. اختار المصور زاوية مناسبة في باحة البيت فيها ما يكفي من الضوء، وطلب منهم أن يعلقوا قطعة قماش بيضاء كبيرة على الحائط في حوش البيت لتقف العائلة أمامها كي تلتقط الصورة. بعد أن استُحْصِلَت الموافقة، وبعد أن انتهى المصور من التقاط صورة لعائلة يوحنا جاء دور عائلة كوركيس.
يبدو كوركيس، أبو يوسف، جالساً بوقار في قلب الصورة، يرتدي الصاية واليشماغ ملفوف حول رأسه على طريقة القادمين حديثاً من قرى الشمال، رغم أنه كان قد هجر تلكيف وجاء إلى بغداد قبل أكثر من ثلاثة عقود، إلا أنه رفض أن يغير ملابسه ويلبس «أفندي» مهما ألح عليه الآخرون. وظل يرتدي هذا الزي حتى موته عام ١٩٥٧. كانت ذراع كوركيس اليسرى تطوق عنق يوسف، ويده اليسرى تمسك بيد ابنه الذي كان يجلس إلى يساره، وكان كالعصفور لا يكف عن الحركة. أما يد كوركيس اليمنى، فكانت تستقر على ركبته اليمنى بعد أن سوّى شاربه مرة أخيرة، قبل أن يطلب منهم المصور أن يتوقفوا عن الحركة ويركزوا جميعاً على العدسة. ثم سحب لوحاً من داخل الكاميرا إلى خارجها وبدأ يعد من خمسة إلى واحد. بجانب كوركيس جلست زوجته نعيمة تبتسم ابتسامتها الواثقة. الصورة بالأبيض والأسود، إلا أن اختفاء الألوان عنها لم يخف بريق عينيها السوداوين واتساعهما الذي طالما سحر كوركيس وشجعه على أن يعود بعد سنين من التنقل بين بغداد والمحمرة، والعمل في الملاحة النهرية بين المدينتين مع أبناء عمومته، لكي يخطبها بعد أن كانت قد ظنت بأن بغداد أنْسته القرية ومَن فيها. حذّر البعض أهلها من أن يوافقوا على تزويجها، لأنهم قالوا إن الرجل منحوس، فقد ماتت زوجته الأولى وطفلاها غرقاً، وها هو سيأخذ نعيمة لتغرق هي الأخرى، لكن والدها لم يأبه بهذا الكلام، وكان سعيداً بتزويجها لرجل كان يثق بمعدنه، لأنه يعرف أباه، خصوصاً بعد أن عملا عمراً بأكمله بعضهما مع بعض يزرعان الشعير في أرضيهما المتجاورتين في تلكيف.
بدت نعيمة سعيدة في الصورة، فقد كانت «أمل» آخر العنقود، تتحرك في أحشائها بنشاط وتعلن عن وجودها وكأنها تريد أن تظهر في الصورة هي الأخرى، أو أن تلعب مع سليمة، التي كانت في عامها الثاني في حضن أمها. سليمة، التي أصر كوركيس على أن تحمل الاسم الأول لأشهر مغنية في العراق في تلك الأيام، سليمة مراد باشا. أرادت نعيمة أن تضيف المزيد من ثمار بطنها، ربما لتظل تعوض كوركيس عن زوجته الأولى وولديه اللذين ماتا مع أمهما قرب المحمرة في حادث يرفض كوركيس أن يستعيد تفاصيله. لكن قلب نعيمة توقف ذات ليلة بعد العشاء وفارقت الحياة بعد سنتين من تاريخ الصورة، وتركت لأكبر بناتها حنة، التي كانت تجلس بجانبها وتتشبث بذراعها اليمنى، حملاً ثقيلاً، فسيكون عليها أن تترك المدرسة في الخامسة عشرة من عمرها وتتفرغ للطبخ ولتربية إخوتها وأن تعمل بالخياطة خمس سنوات طوال كي لا تغرق سفينة العائلة، وكي يكمل إخوتها تعليمهم ويشقوا طريقهم في الحياة. وكان عليها أن تقدم تضحية هي الأكبر بنظرها، وهي التخلى عن حلمها بأن تكون راهبة تكرس حياتها للمسيح، فكرست حياتها للآخرين. وظلت عانساً بدلاً من أن تكون عروس المسيح الطاهرة وتلبس ثياب العذرية الأبدية البيضاء.
أما حبيبة، التي كانت تصغر حنة بثلاث سنوات لكنها أطول من عمرها ومن أختها، فكانت تقف وراءها بالضبط وتضع يديها على كتفي أختها الكبرى كأنها تشكرها مقدماً على كل ما ستفعله. ولم تكن تعرف بعد أنها ستكون في ما بعد من أوائل دفعات الممرضات في العراق، وبأن أول تعيين لها سيكون في السليمانية، في كردستان العراق. سينتقل الأب وبناته إلى تلك المدينة البعيدة كي يكونوا معها وهي تعمل هناك لثلاث سنوات، وبقي الذكور الخمسة في بيت عمهم في بغداد. كان راتب حبيبة يكفي لإعالة الجميع، ولأن يرتاح أبوها -بعد سنين قليلة- من عناء السنين ويظل في البيت بعد الإصابة التي ستُقعده.
طلب المصور من غازي وجميل وإلياس وميخائيل، الذين كانت أعمارهم تتدرج من السابعة إلى الرابعة، أن يجلسوا على الأرض تحت أقدام والديهم. كانت هذه هي الصورة الوحيدة التي تجمع العائلة بأكملها. تفرقوا بعدها في أرجاء البيت وأرجاء الدنيا ليظهروا في صور أخرى. غازي سيعمل في ال- «آي بي سي» في كركوك حتى عام ١٩٦١، ثم يعود إلى بغداد بعدها ويعمل مع شركة رابكو للأصباغ، ثم يهاجر إلى ميشيغان عام ١٩٧٩ ويعمل هناك سنين شريكاً في محل، قبل أن يستقر في سان دييغو، كاليفورنيا. جميل سيعمل مع شركة «شاكر إبراهيم وإخوانه»، ثم يسافر إلى بيروت عام ١٩٦٩ بعد أن يُعدموا صديقه بتهمة الماسونية. وسيظل هناك ولن يعود ولا مرة إلى العراق. إلياس كان الوحيد من بين الذكور الذي سيدخل الجامعة، سيدرس الحقوق لكنه سيتورط في السياسة ويدخل السجن مرات. أصغر الذكور ميخائيل، الذي كان المدلل، سيعمل بعد تخرجه من كلية بغداد، مثل يوسف، مترجماً، لكن مع عدة شركات أجنبية، ثم وكيلاً، قبل أن يستقر كمدير تسويق في السفارة الاسترالية عام ١٩٧٧.

لتحميل الرّواية أضف ردّا وأعد تحميل الصفحة

رابط مباشر
https://archive.org/download/Ketab0545/ketab0545.pdf

المصدر : منتدى عفاريت نوسا البحر: http://hassanbalam.ibda3.org/t9463-topic#ixzz2Q4CVgkY0

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

شكرًا لكم على هذه التحفة

إرسال تعليق

رد بسيط منك يسعدنا

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
hassanbalam | تصميم | Great hassanbalam from hassanbalam.ibda3.org.